ما الذي سيبقي الدولار الأمريكي قويا هذا العام؟
على الرغم من المبالغة في تقدير قيمة الدولار الأمريكي وفقاً للعديد من المقاييس، إلا إنه من المتوقع أن يظل الدولار الأمريكي قوياً طوال بقية العام معتمداً على مرونة الاقتصاد الأمريكي والموقف المتشدد لبنك الاحتياطي الفيدرالي وازدهار سوق الأسهم وضعف أداء أقران أمريكا مثل الصين وأوروبا.
مرونة الاقتصاد الأمريكي
على الرغم من الاقتصاد الأمريكي لا يزال قويًا بشكل نسبي في 2024، إلا إنه لم يعد بنفس القوة التي كان عليها في العام الماضي، فقد سجل نموًا بنحو 1.6% في الربع الأول من العام في أسوأ أداء فصلي منذ الركود التقني فى النصف الأول من عام 2022، وبلغ التضخم الأساسي في مارس 3.5% على أساس سنوي بأعلى من التوقعات البالغة 3.4%، مما أقنع المستثمرين بأن أسعار الفائدة ستبقى مرتفعة لفترة أطول، مما عزز من مستويات الدولار.
وتشير توقعات الخبراء أن يتباطأ النشاط الاقتصادي في عام 2024 بشكل أكثر تواضعًا، ومن المرجح أن يشهد الاقتصاد الأمريكي نموًا بنسبة 2.4% هذا العام، عادة ما يؤدي الاقتصاد الأقوى إلى عملة أقوى، فقد ارتفع مؤشر الدولار DXY (الذي يتتبع العملة الأمريكية مقابل ستة أقران) بنحو 4% منذ بداية العام حتي نهاية أبريل، وارتفع الدولار الأمريكي مقابل اليورو في سوق تداول العملات منذ بداية العام، ولا يزال مرتفعًا بنسبة 6% تقريبًا مقابل الين ويرجع ذلك أساسًا إلى استمرار السياسة النقدية شديدة التساهل في اليابان، وبينما عززت عطلة رأس السنة الصينية عائدات السياحة إلا أنها فشلت في تحريك اليوان المحلي مقابل الدولار.
البنك الاحتياطي الفيدرالي لا يزال متشددًا
كما هو الحال منذ أواخر عام 2023، واصل البنك الاحتياطي الفيدرالي الحفاظ على مستوي أسعار الفائدة في اجتماعه للجنة السوق المفتوحة الفيدرالية الذي اختتم في 1 مايو 2024، ويعد هذا هو الاجتماع السادس على التوالي دون تغيير في أسعار الفائدة بعد أن رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة 11 مرة بين عامي 2022 و 2023، وأشار مسؤولو البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أن تخفيضات أسعار الفائدة قد تأتي في وقت لاحق من هذا العام، ولكن لا يوجد جدول زمني واضح لموعد بدء تخفيضات أسعار الفائدة.
ومع استعداد الأسواق جيدًا لقرار اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بشأن سعر الفائدة، تحول التركيز إلى تعليقات ما بعد الاجتماع من قبل رئيس البنك الاحتياطي "جيروم باول"، حيث أشار باول إلى أن الخطوة التالية للبنك الاحتياطي ستكون خفض أسعار الفائدة، لكنه أضاف "نحن على استعداد للحفاظ على النطاق المستهدف الحالي لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية لأطول فترة ممكنة"، ومع ذلك، أشار باول أيضًا ردًا على أسئلة الصحفيين حول إمكانية رفع أسعار الفائدة هذا العام إلى أن مثل هذه الخطوة "غير مرجحة"، وقد وفرت هذه الاستجابة بعض الطمأنينة للمستثمرين الذين كانوا يشعرون بقلق متزايد من أن الاحتياطي الفيدرالي قد يرفع أسعار الفائدة مرة أخرى.
واضطر المستثمرون إلى التراجع عن توقعاتهم بشأن احتمال خفض أسعار الفائدة في وقت سابق من العام حيث أظهر الاقتصاد الأمريكي قوة مستمرة وظل التضخم مرتفعًا بعناد، على الرغم من أنه أقل بكثير من ذروته في منتصف عام 2022، ولكنه أعلى من المستويات المرغوبة.
ويستهدف البنك الاحتياطي الفيدرالي معدل تضخم طويل الأجل بنسبة 2%، ولكن في الآونة الأخيرة، بلغ مؤشر أسعار المستهلك 3.5% لفترة الاثني عشر شهراً المنتهية في مارس، وفي الوقت نفسه، ارتفع معدل التضخم "الأساسي" (باستثناء قطاعي الغذاء والطاقة المتقلبين) بنسبة 3.8% خلال نفس الفترة، مقياس التضخم الآخر الذي يراقبه الاحتياطي الفيدرالي عن كثب هو مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي والذي ارتفع بنسبة 2.8% في نهاية مارس مقارنة بالعام السابق، وهو دليل إضافي على أن هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% لا يزال بعيد المنال، وهذا يعني أسعار الفائدة المرتفعة ستستمر في دعم الدولار مقابل العديد من العملات الأخرى هذا العام.
المخاطر الجيوسياسية
هناك عامل إيجابي آخر للدولار وهو المخاطر الجيوسياسية التي لا تزال مرتفعة، والتي تشمل الهجمات السيبرانية والإرهابية الكبرى والمنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين والفصل التكنولوجي العالمي والصراع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي والتوترات في منطقة الشرق الأوسط.
في أوقات عدم اليقين الجيوسياسي، يميل الدولار الأمريكي إلى الازدهار وبالتالي جذب المزيد من الطلب باعتباره عملة آمنة، علاوة على ذلك، يساهم التوتر الجيوسياسي المتزايد في تعزيز نزعة الحماية، وتركز الأسواق بشكل متزايد على تنفيذ التعريفات الأمريكية المحتملة التي قد تتبع الانتخابات الرئاسية.
ارتفاع الدولار الأمريكي سيؤثر على زخم الائتمان في الأسواق الناشئة
تعتقد وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن قوة الدولار الأمريكى المستمرة أمام عملات الأسواق الناشئة يمكن أن يؤثر على التصنيف الائتمانى السيادى لبعض الأسواق الناشئة، مما قد يقلص من التصنيف الإيجابى الحالى لبعض الدول، وذكر تقرير صادر عن الوكالة إن الأسواق الأكثر عرضة للخطر في مثل هذا السيناريو ستكون الدول التى تعانى من انخفاض كبير ومستمر في عملتها أمام الدولار أو لديها تراجع كبير في احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية.
تاريخياً، ارتبط سعر الصرف الفعلي الاسمي لعملات الأسواق الناشئة مقابل الدولار الأمريكي ارتباطاً وثيقاً بالتصنيفات السيادية للأسواق الناشئة، حيث ارتبط ارتفاع الدولار الأمريكي بضعف التصنيف الائتماني للأسواق الناشئة، ونعتقد أنه من المرجح أن تظل هذه العلاقة قوية في الفترة 2024- 2025 إذا شهد الدولار الأمريكي فترة من القوة المستمرة.
ومع ذلك، فإن صافي رصيد توقعات التصنيف للمحفظة السيادية للأسواق الناشئة التابعة لوكالة فيتش ككل إيجابي حاليًا، مما يعكس احتمالات التحسن في العديد من التصنيفات الائتمانية، وتختلف الصورة على المستوى الإقليمي، حيث يوجد في كل من أوروبا الناشئة وأمريكا اللاتينية عدد كبير نسبيا من الصناديق السيادية في الأسواق الناشئة ذات النظرة الإيجابية، بينما يوجد في آسيا عدد أكبر من الصناديق السيادية ذات النظرة السلبية أكثر من الإيجابية.
ولا تزال تقييمات الأسواق الناشئة المستوردة للسلع الأساسية والأسواق الناشئة الأصغر حجما أضعف بكثير مما كانت عليه قبل جائحة كوفيد 19، لذلك قد يكون لدى بعض التصنيفات الائتمانية مجال للتحسن مع تلاشي الندبات الاقتصادية والمالية المرتبطة بالجائحة وعودة النشاط العالمي إلى طبيعته.
وكانت أسعار عملات الأسواق الناشئة في مجملها مستقرة نسبيًا أيضًا مقابل الدولار الأمريكي منذ بداية العام حتي نهاية شهر أبريل، مقارنة بالأداء القوي للدولار الأمريكي أمام بعض عملات الأسواق المتقدمة وفي مقدمتهم الين الياباني والفرنك السويسرى، ونعتقد أن ذلك قد ساعد فى التوقعات القوية لآفاق الأسواق الناشئة، ومع ذلك، فقد تراجع بعض عملات الدول الناشئة بشكل نسبي في الأربعة أشهر الأولي من العام، التي تشمل الريال البرازيلى وبعض عملات الدول الآسيوية.
يظل الافتراض الأساسي لوكالة فيتش هو أن عائد سندات الخزانة الأمريكية سيتراجع في عامي 2024 و2025، مع بدء البنك الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة والذي من شأنه سيعزز من أداء العديد من عملات الأسواق الناشئة أمام الدولار الأمريكى، وبرغم هذا، فإن مرونة الاقتصاد الأمريكي والضغوط التضخمية المستمرة تسلط الضوء علي المخاطر التى تهدد تلك التوقعات.
إذا استمرت أسعار الفائدة الأمريكية ثابتة عند مستويات مرتفعة فقد يؤدى ذلك إلي استمرار قوة الدولار الأمريكي، وسينتج عن ذلك عواقب سلبية علي بعض التصنيفات الائتمانية للأسواق الناشئة.
وتقول الوكالة أنها تهتم بالدول فى الأسواق الناشئة التى تمتلك حصص أكبر من الديون المقومة بالدولار الأمريكي باعتبارها أنها أكثر تعرضًا لمخاطر سعر الصرف، حيث يؤدى تراجع قيمة عملتها أمام الدولار إلي زيادة عبء سداد الديون.